الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
هو محصور بالعهد، فاستغنى بذلك عن الحد، كما في اسم الإشارة. وهو قسمان: اسمي وحرفي. والاسمي هو المذكور هنا، وقد حده في التسهيل بقوله: ما افتقر أبدا إلى عائد أو خلفه، وجملة صريحة أو مؤولة "غير طلبية ولا إنشائية". ا. هـ. فاحترز بقوله: "أبدا" من النكرة الموصوفة بجملة، فإنها حال وصفها بها لتفتقر إليها وإلى عائد، لكن لا يصدق أنها مفتقرة إليها أبدا، واحترز بقوله: "إلى عائد" من "حيث، وإذا, وإذ" فإنها تفتقر أبدا إلى جملة، ولكن لا تفتقر إلى عائد, وأشار بقوله: "أو خلفه" إلى ما ورد من الربط بالظاهر الذي هو الموصول في المعنى نحو قولهم: "أبو سعيد الذي رويت عن الخدري" أي عنه. قال أبو عليّ في التذكرة: ومن الناس من لا يجيز هذا. وأراد بالمؤولة ثلاثة: الظرف والجار مع المجرور، والصفة الصريحة. في نحو: "الضارب" وسيأتي بيان ذلك. وحده ابن الحاجب بقوله: ما لا يتم جزءا إلا بصلة وعائد. وقال في التحفة:: "اللذان واللتان" وأيهم هو أشد: معربة قبل مجيء الصلة، والإعراب دليل تمامها، والأولى ما لا تتم إفادته... إلخ. وأما الحرفي فحده في التسهيل بقوله: ما أول مع ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائد. ا. هـ. واحترز بقوله: "ولم يحتج إلى عائد" من "الذي" الموصوف به "مصدر محذوف" نحو: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} أي كالخوض الذي خاضوه فإنه يؤول مع ما يليه بمصدر لكنه يحتاج إلى العائد. فكل من الاسمي والحرفي مفتقر إلى صلة، والفرق بينهما أن الاسمي يفتقر إلى عائد، والحرفي لا يفتقر إليه. ولم يذكر الناظم هنا الحرفي فلنقدمه, وهو خمسة أحرف: "أن" وتوصل بفعل متصرف مطلقا خلافا لمن منع وصلها بالأمر و"ما" وتوصل بفعل متصرف غير أمر، وقد توصل بجملة اسمية خلافا لقوم, وندر وصلها بليس في قوله: ............................................ بما لستما أهل الخيانة والغدر وصدره: أليس أميري في الأمور بأنتما وهو من الطويل. الشرح: "أميري" حذفت النون تشبيها بالإضافة، وروي "فما لستما" والتاء في لستما هي اسم ليس. فإن قيل: أين العائد إلى الموصول الحرفي؟ قلت: الموصول الحرفي لا يحتاج إلى عائد، وقال ابن عصفور: ومن زعم أن ليس فعل جعل "ما" مصدرية، وليس واسمها وخبرها صلة لها، ومن زعم أنها حرف جعل "ما" اسما موصولا بمنزلة "الذي", ويلزمه إذ ذاك أن يقدر ضميرا محذوفا يربط الصلة بالموصول والتقدير: بما لستما به أي: بسببه. الإعراب: "أليس" الهمزة للاستفهام على سبيل التقرير, "بأنتما" الباء زائدة والتقدير أليس أنتما أميري، وحذفت النون في أميري تشبيها بالإضافة, "بما لستما" فما موصول حرفي وتوصل بفعل متصرف غير أمر وقد وصلت ههنا بفعل جامد وهو قوله لستما والتاء اسم ليس, "أهل" خبر ليس منصوب, "الخيانة" مضاف إليه, "والغدر" عطف عليه. الشاهد: في "بما لستما" حيث جاء وصل "ما" بليس وهو نادر. وتنفرد بنيابتها عن ظرف زمان كقولك: "جد ما دمت واجدا". وزعم الزمخشري: أن "أن" تشاركها في ذلك، وجعل منه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}. وهو مردود، لأن "أن" في الآية صالحة للتعليل، وهو المعنى المجمع عليه ولا عدول عنه. وذهب الأخفش وابن السراج أن "ما" المصدرية اسم فتحتاج إلى عائد. والصحيح: أنها حرف فلا تحتاج إلى عائد، وهو مذهب سيبويه. قلت: وذكر أبو البقاء أنها على كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء وهو خلاف ما نقله غيره. و"كي" وتوصل بفعل مضارع "ولا تقع إلا مجرورة باللام أو مقدرا معها اللام". و"أن" وتوصل باسمها وخبرها. و"لو" خلافا لمن أنكرها، وعلامتها أن يصلح موضعها "أن" وأكثر وقوعها بعد ما يدل على تمن كقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}. قال المصنف: وأكثر النحويين لا يذكرون "لو" في الحروف المصدرية، وممن ذكر "من المتقدمين" الفراء وأبو عليّ، ومن المتأخرين التبريزي, وأبو البقاء وتوصل بفعل متصرف غير أمر "كما". وأما الموصول الاسمي: فقد بينه بقوله: موصول الاسماء الذي الأنثى التي الموصول الاسمي ضربان: مذكر ومؤنث، وكل منهما مفرد أو مثنى أو مجموع. فالمفرد المذكر "الذي" وفيه ست لغات: إثبات يائه وحذفها مع إبقاء الكسرة، وحذفها مع إسكان الذال وتشديدها مكسورة ومضمومة، والسادسة حذف الألف "واللام" وتخفيف الياء الساكنة. وللواحدة المؤنثة "التي" وفيها تلك اللغات الست أيضا. ثم قال: ................................ واليا إذا ما ثنيا لا تثبت بل ما تليه أوله العلامه................................ يعني: أنك تقول في تثنيه "الذي، اللذان" فتحذف الياء وتولي الحرف الذي تليه الياء وهو "الذال" علامة التثنية وهي الألف رفعا والياء جرا ونصبا, تليهما نون مكسورة. وتقول في تثنية "التي: اللتان" فتحذف الياء أيضا وتولي علامة التثنية ما قبلها "وهي" التاء كما في المذكر، وكان القياس إثبات الياء فيهما, فيقال: "اللذيان واللتيانِ" كما يقال في تثنية "الشجي" ونحوه من المنقوص "الشجِيَان" بإثبات الياء. إلا أن "الذي والتي" لما كان مبنيين لم يكن "ليائهما" حظ في التحريك، فلذلك لم تفتح قبل علامة التثنية، بل بقيت ساكنة، فحذفت لالتقاء الساكنين. وقوله: "والنون إن تشدد فلا ملامه. إشارة إلى جواز تشديد النون في تثنية "الذي والتي" فتقول: "اللذان واللتان", وهو مع الألف متفق على جوازه، وأما مع الياء فمنعه البصريون، وأجازه الكوفيون، وهو الصحيح لقراءة ابن كثير {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} -بالتشديد. تنبيه: في تثنية "الذي والتي" لغة ثالثة وهي حذف النون كقول الفرزدق: أبني كليب إن عمّيّ اللذا... قتلا الملوك وفككا الأغلالا وقول الآخر: هما اللتا لو ولدت تميم... لقيل فخر لهم صميم وذكر في شرح التسهيل: أن حذف النون من قوله: "هما اللتا" لضرورة الشعر وهو مخالف لما في التسهيل، فإنه قال: يجوز إثبات "نونها" وحذفها. وقد ذكر فيه قبل ذلك أن من أسباب حذف نون التثنية تقصير الصلة، ومثله في الشرح بقوله: أبني كليب إن عمّيّ اللذا... قتلا الملوك وفككا الأغلالا وقد ذكر غيره أن حذف هذه النون لغة بني الحارث بن كعب وبعض ربيعة. وذكر في التسهيل لغة رابعة وهي: "لذان" بحذف الألف واللام. وقوله: والنون من ذين وتين شددا... أيضا............................. يعني أن النون في تثنية اسم الإشارة قد تشدد أيضا مع الألف باتفاق. ومنه قراءة ابن كثير وأبي عمرو: "فذانِّك برهانان", ومع الياء على الصحيح كما تقدم. ثم ذكر وجه التشديد فقال: .... وتعويض بذاك قصدا يعني: أن تشديد النون في "اللذين واللتين" قصد به التعويض عن الياء المحذوفة على غير قياس كما تقدم, والتشديد في "ذين وتين" عوض عن الألف المحذوفة من "ذواتا" فإن حقها أن تثبت كما ثبتت ألف المقصور, هذا ما ذهب إليه المصنف. وتقدم مذهب من جعل تشديد النون في "ذانك" دليلا على البعد. قال في شرح التسهيل: ويبطل هذا القول جواز التشديد في "ذين وتين". وأجيب بأنه لا يدل جواز التشديد في "ذين وتين" في حالة القرب على عدم جعله على سبيل اللزوم دليلا على حالة البعد بل قد يلزم الشيء دلالة على شيء في حال، وإن كان جائزا في حال أخرى. وذكر في البسيط في علة تشديد النون أقوالا لا يقوم على صحتها دليل. ثم انتقل إلى الجمع فقال: جمع الذي الأُلَى الذي مطلقا يعني: أن الذي له جمعان: أحدهما "الألى" وتسميته جمعا تجوز وإنما هو اسم جمع. وقد يرد الألى للمؤنث وهو قليل، وقد اجتمع الأمران في قوله: وتبلى الألى يستلئمون على الألى... تراهن يوم الروع كالحدإ القبل وقد يقال "الألاء" بالمد ومنه قول كثير: أبى الله للشم الألاء كأنهم... سيوف أجاد القين يوما صقالها والآخر "الذين" مطلقا أي: رفعا ونصبا وجرا؛ لأنه مبني فلا يتغير. وإطلاق الجمع على "الذين" فيه أيضا تجوز؛ لأنه مخصوص بأولي العلم "والذي علم" فهو كالعالمين وقد تقدم. فإن قلت: قد تقدم أن تثنية اسم الإشارة وتثنية "الذي والتي" أعربت لأن التثنية من خواص الأسماء "فعارضت" شبه الحرف, فهلا أعرب "الذين"؟ لأن الجمع من خواص الأسماء كالتثنية. قلت: لما لم يجر على سنن الجموع لكونه أخص من واحدة كما "تقرر" لم تعتبر "معنى الجمعية" فيه، فبقى على بنائه. قال في شرح التسهيل: وعلى كل حال ففي "الذي والذين" شبه بالشجي، والشجيين، في اللفظ وبعض المعنى، فلذلك لم تجمع العرب على ترك إعراب الذيل بل إعرابه في لغة هذيل مشهور, فيقولون: "نصر اللذون آمنوا على الذين كفروا" وإلى هذه اللغة أشار بقوله: وبعضهم بالواو رفعا نطقا قلت: ونقلها بعضهم عن عقيل. تنبيه: في "الذين" أربع لغات المشهورة ولغة هذيل وحذف نونه لطول الاسم بالصلة مطلقا، هكذا ذكر المغاربة وأنشدوا قول الشاعر: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم... هم القوم كل القوم يا أم خالد وفصل المصنف فقال: ويغني عنه "الذي" في غير تخصيص كثيرا، وفيه للضرورة قليلا. ا. هـ. وأنشد البيت على أنه ضرورة "و" قيل: "هو" مخالف لما ذكره أول التسهيل، فإن ذكر لحذف النون أسبابا فقال: وتسقط "النون" للإضافة وللضرورة ولتقصير صلة. ا. هـ. قلت: هو غير مخالف له، فإن قوله: ويغني عنه الذي، معناه أن "الذي" المفرد اللفظ قد يعبر عن جمع، لا أنه جمع حذفت نونه. ألا ترى قوله في الشرح: وإذا لم يقصد بالذي "تخصيص" جاز أن يعبر به عن جمع حملا على "من". وأما، "وإن" الذي حانت، فمحتمل لأن يكون مفردا عبر به عن الجمع، وأن يكون جمعا حذفت نونه. واللغة الرابعة: حذف الألف واللام, فيقال: "الذين". قال أبو عمرو: سمعت أعرابيا "يقرأ": "صراط لَذين" بتخفيف اللام. ثم انتقل إلى جمع المؤنث فقال: باللات واللاء التي قد جمعا يعني أن "التي" لها جمعان: "أحدهما" "اللات" وفيه لغتان: إثبات الياء وحذفها. والأخرى "اللاتي" وفيه لغتان أيضا: إثبات الياء وحذفها. "وللتي" جموع أخر منها "اللواتي" بإثبات الياء وحذفها "واللواء" بالمد "وباللواء" بالقصر "واللا" بالقصر، مبنيا على الكسر "أ", ومعربا إعراب أولات وليست هذه بجموع حقيقية, وإنما هي أسماء جموع. وفي شرح التسهيل "تفصيل" في هذه الجموع قال: الصحيح أن "الذين" جمع "الذي" يراد به من يعقل وأن "اللاءات" جمع "اللائي" مرادف "اللاتي" وكذلك "اللواتي" و"اللوائي" جمعان "للاتي واللائي" على حد قولهم في الهادي -وهو العنق- الهوادي. وأما "اللاتي" فيحتمل أن يكون اسما للجمع؛ لأنه ليس على بناء من أبنية الجمع، ويحتمل أن يكون جمعا لأنه متضمن "معنى حروف" "التي". ويفتقر كونه مخالفا لأبنية "الجموع، كما افتقر في "اللتيا" كونه مخالفا لأبنية التصغير". وأما "اللاتي والألى" وغيرهما من الموصولات الدالة على جمع فأسماء جموع. وذكر أن "اللا واللوا" أصلهما "اللاتي واللواتي" فحذفوا التاء والياء. قال: والأظهر عندي أن الأصل في اللوا اللواء وفي اللاء اللاتي ثم "قصرا". وقوله: واللاءى كالذين تزرا واقعا يشير بها إلى نحو قوله: فما آباؤنا بأمَنَّ منه... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا فاستعمل "اللاء" بمعنى الذين، والأصل فيه أن يكون للمؤنث كما تقدم. تنبيه: من جموع "الذي" أيضا "اللائين" مطلقا وهذيل تعربه كما أعربت الذين "و" قد ذكر في شرح التسهيل أن "اللائين" جمع "اللائي" مرادف "الذين". ثم أشار إلى ألفاظ أخرى من الموصولات بقوله: ومن وما وأل تساوي ما ذكر يعني أن هذه "الأسماء" تستعمل بمعنى "الذي" و"التي" وتثنيتهما وجمعهما. "فمن" لمن يعقل نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} أو لمنزل منزلته كقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} فعبر عن الأصنام بمن لتنزيلها منزلة العاقل، أو لمختلط به كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} أو لمقترن به نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} أو وقع "من" على ما لا يعقل، لاقترانه بمن يعقل فيما فصل بمن. قال في شرح التسهيل: كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} وأجاز قطرب وقوع "من" على ما لا "يعقل" بلا شرط، واستدل بما لا حجة فيه. و"ما" لما لا يعقل نحو: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أو لصفة من يعقل نحو: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} "أي وبانيها", {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أي الطيب، أو لمبهم أمره نحو أن ترى شبحا تقدر إنسانيته وعدم إنسانيته، فتقول: أخبرني ما "هنالك". قال في شرح التسهيل: وكذلك لو علمت إنسانيته ولم تدر أهو ذكر أم أنثى؟ ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي}. قلت: وقال غيره: أتى بما دون "من" لأن الحمل حينئذ لم يتصف بالعقل, أو لمختلط "بما" لا يعقل نحو: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} قال في الكافية: وعند الاختلاط خير من نطق... في أن يجيء منهما بما اتفق وأجاز أبو عبيدة وابن درستويه وابن خروف ومن وافقهم، وقوع "ما" على آحاد من يعقل، ونسبه ابن خروف إلى سيبويه، واستدلوا بظواهر تأولها المخالف ووافقهم المصنف. مسألة: "من" لها أربعة أقسام موصولة وقد ذكرت، وشرطية نحو: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} واستفهامية نحو: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ونكرة موصوفة نحو: "مررت بمن معجب لك". وزعم الكسائي أن العرب لا تستعمل "من" نكرة موصولة إلا "أن تقع" في موضع يختص بالنكرة كوقوعها بعد "رب" في قوله: ألا رب من تغتشه لك ناصح... ومؤتمن بالغيب غير أمين كما تكون "ما" نكرة موصوفة بعد "رب" في قول "الشاعر": ربما تكره النفوس من الأمر... له فرجة كحل العقال ورد بقول الشاعر: فكفى بنا فضلا على من غيرنا... حب النبي محمد إيانا وأجيب بأن الكسائي يرى: أنها في هذا البيت زائدة؛ لأنه أجاز زيادة "من" ومذهب البصريين والفراء: أنها لا تزاد، لأنها اسم. وزاد أبو علي أقسام "من" أن تكون نكرة موصوفة، كقول الشاعر: ......................................... ونعم من هو في سر وإعلان والصحيح أنها "لا تكون نكرة" غير موصوفة. و"ما" لها سبعة أقسام موصولة نحو: {وَلِلَّهِ " يَسْجُدُ " مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} , وشرطية نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} واستفهامية نحو: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} ونكرة موصوفة نحو: "مررت بما معجب لك" ويمكن أن يكون منه: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} ونكرة غير موصوفة نحو: "ما أحسن زيد" "في التعجب" على مذهب سيبويه. أو صفة نحو: "لأمر ما جدع قصير أنفه". قال المصنف: والمشهور أن "ما" في هذا المثال ونحوه زائدة مبنية على وصل لائق بالمحل، ومعرفة تامة وذلك في باب نعم نحو: "غسلته غسلا نعما" أي: نغم الغسل, وفي هذا خلاف يأتي في باب نعم فهذه أقسام "ما" الاسمية. وأما الحرفية: فتكون نافية وزائدة ومصدرية "وكافة ومهيئة" وليس هذا موضع بسط الكلام على هذه الأقسام. و"أل" "يشترك" فيه العاقل وغيره "وهي" اسم موصول عند الجمهور، وذهب المازني إلى أنها حرف موصول، وذهب الأخفش إلى أنها حرف تعريف. والصحيح أنها اسم لأوجه: أحدها عود الضمير عليها في نحو: "قد أفلح المتقي ربه". "وذهب" المازني "بأن" الضمير يعود على موصوف محذوف، ورد بأن لحذف الموصوف "مظان" لا يحذف في غيرها إلا لضرورة وليس هذا منها. الثاني: استحسان خلو الصفة معها "عن" الموصوف نحو: "جاء الكريم" فلولا "أنها" اسم موصول قد اعتمدت الصفة عليه كما تعتمد على الموصوف لقبح خلوها عن الموصوف. الثالث: إعمال اسم الفاعل "معها" بمعنى المضي، فلولا أنها موصولة واسم الفاعل معها في تأويل لقدح لحاقها في إعمال اسم الفاعل بمعنى الحال "أ" والاستقبال. قلت: وقد التزم ذلك الأخفش، فذهب إلى أن اسم الفاعل لا عمل له مع "أل" وسيأتي بيانه في بابه. الرابع: دخولها على الفعل نحو: الترضى حكومته. والمعرفة مختصة بالاسم. واستدل المازني ومن وافقه على حرفيتها بأن العامل يتخطاها نحو: "مررت بالضارب" فالمجرور "هو" "ضارب" ولا موضع لأل، ولو كانت اسما لكان لها موضع الإعراب. قال الشلوبين: الدليل على أن الألف واللام حرف قولك "جاء القائم" فلو كانت اسما "لكانت" فاعلا واستحق "قائم" البناء؛ لأنه على هذا التقدير مهمل "لأنه" صلة والصلة لا يسلط عليها عامل الموصول. وأجاب في شرح التسهيل: بأن مقتضى الدليل أن يظهر عمل عامل الموصول في آخر الصلة؛ لأن نسبتها منه "نسبة عجز المركب منه"، لكن منع من ذلك كون الصلة جملة "والجمل" لا تتأثر "بالعوامل" "فلما" كان صلة الألف واللام "في اللفظ" غير جملة جيء بها على مقتضى الدليل، لعدم المانع. وقوله: وهكذا ذو عند طيئ شهر يعني أن "ذو" عند طيئ اسم موصول يستعمل بمعنى الذي وفروعه بلفظ واحد "فيقال": "جاءني ذو فعل وذو فعلت وذو فعلا وذو فعلا وذو فعلن". وتتميز معانيها بالعائد كما مثل، أو بما هي له كقول الشاعر: فإن الماء ماء أبي وجدي... وبئري ذو حفرت وذو طويت أي: التي حفرت والتي طويت؛ لأن البئر مؤنثة. تنبيهان: أحدهما: تسمى "ذو" هذه الطائية؛ لأنها لا يستعملها موصولة إلا طيئ أو من تشبه بهم من المولدين كأبي نواس وحبيب. الثاني: المشهور في "ذو" الطائية أنها مبنية، وبعضهم يعربها إعراب "ذو" بمعنى صاحب. ويروى بالوجهين قول الشاعر: ................................................. فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا وقوله: وكالتي أيضا لديهم ذات... وموضع اللاتي أتى ذوات يعني: أن بعض طيئ تقول: "ذات" إذا أراد معنى "التي" وذوات إذا أراد معنى "اللاتي" بالبناء على الضم فيهما. وظاهر هذا أنه إذا أراد غير "التي واللاتي", يقول: "ذو" على الأصل، وأطلق ابن عصفور القول في تثنية "ذو و"ذات"" وجمعها. قال المصنف: أظن الحامل له على ذلك قولهم: "ذات وذوات" بمعنى "التي واللاتي" فأضربت "عنه" لذلك. ا. هـ. ونقل الهروي وابن السراج عن العرب ما نقله ابن عصفور. ثم قال: ومثل ماذا بعد ما استفهام... أو من إذا لم تلغ في الكلام يعني أن من الموصولات التي تستعمل بمعنى "الذي" وفرعه بلفظ واحد "كذا" بشرطين: الأول: أن تقع بعد "من" أو "ما" الاستفهاميتين خلافا لمن منع وقوعها بعد "من". الثاني: أن تكون غير ملغاة، والمراد بالإلغاء أن تركب "ذا" مع "ما أو من" "فيكونا" اسما واحدا. ولها حالة الإلغاء معنيان: أحدهما وهو الأشهر أن يكون "المجموع" اسم استفهام، فلا يعمل فيه فعل متقدم. والآخر أن يكون اسما موصولا أو نكرة موصوفة، وعليه بيت الكتاب: دعى ماذا علمت سأتقيه... ولكن بالمغيب نبئيني أي: دعي الذي علمت أو شيئا علمت، ولذلك عمل فيها ما قبلها. ولها شرط ثالث أهمله لوضوحه، وهو ألا تكون "إشارة" نحو "من ذا" أو "ماذا". وقد اتضح بما ذكر أن "ماذا" لها أربعة استعمالات، ويجوز في "نحو" "ماذا صنعت؟" وجهان: أحدهما أن تكون "ذا" موصولة فتكون "ما" حينئذ مبتدأ "وذا" وصلته خبر "ما" والعائد محذوف "أي صنعته" والآخر أن تكون أي مركبة مع "ما" فيجعلان اسما واحدا من أسماء الاستفهام فتكون "ماذا" مفعولا مقدما لصنعت. ويظهر "أثر" الاحتمالين في البدل من اسم الاستفهام وفي الجواب، فبدل الأول مرفوع، وكذا جوابه على "المختار" وبدل الثاني منصوب وكذا جوابه على المختار؛ لأن حق الجواب أن يطابق السؤال، وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} قرأ عمرو برفع "العفو" والباقون بنصبه. فتكون "ذا" في قراءته موصولة، وفي قراءتهم ملغاة. ولما فرغ من عد الموصولات غير "أي" شرع في بيان صلتها وعائدها فقال: وكلها يلزم بعده صله... على ضمير لائق مشتمله يعني: أن كل واحد من "هذه" الموصولات لا بد له من صلة؛ لأنه اسم ناقص لا يتم معناه إلا بصلته. فإن قلت: مقتضى قوله: "يلزم" أنها لا تحذف وحذفها جائز إذا دل عليها دليل أو قصد الإبهام ولم يكن صلة "أل" كقول الشاعر: نحن الألى فاجمع جمو... عك ثم وجههم إلينا أي نحن الألى عرفوا بالشجاعة ونحو ذلك. قلت: المراد أنها تلزم لفظا "أ" وتقديرا فهي لازمة فيه وإن حذفت لفظا. تنبيه: فهم من قوله بعده "صلة" أنه لا يجوز تقديم الصلة ولا شيء منها على الموصول, وأما نحو: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} فالجار متعلق بمحذوف دلت عليه صلة "أل" لا بصلتها، والتقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين. وقوله: على ضمير "لائق مشتمله". هذا الضمير هو العائد على الموصول، وقوله: "لائق" أي: مطابق للموصول في الإفراد والتذكير وفروعهما. تنبيه: الموصول إن طابق لفظه معناه فلا إشكال في العائد، وإن خالف لفظه معناه، بأن يكون مفرد اللفظ مذكرا وأريد به غير ذلك، نحو: "من وما". فلك في العائد عليه وجهان: مراعاة اللفظ وهو أكثر كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} ومراعاة المعنى وهو دونه كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ما يلزم من مراعاة اللفظ لبس نحو: "اعط من سألتك لا من سألك" أو قبح "من هي حمراء أمك". فتجب مراعاة المعنى. أو بقصد لمعنى سابق فتختار مراعاته، كقول الشاعر: وإن من النسوان من هي روضة... تهيج الرياض قبلها وتصوح فإن قلت: يفهم من قوله على ضمير أنه لا يربط الصلة بالموصول غيره، وقد ورد الربط بالاسم الظاهر الواقع موقع الضمير. كقولهم: "أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف". وقال الشاعر: ............................................ وأنت الذي في رحمة الله أطمع أي في رحمته" أو في رحمتك. قلت: هذا من القلة بحيث لا يقاس عليه، فلذلك لم يذكره في هذا المختصر, "والله أعلم". وقوله: وجملة أو شبهها الذي وصل... به كمن عندي الذي ابنه كفل يعني: أن الذي يوصل به الموصول غير "أل" شيئان: جملة وشبه جملة. أما الجملة "فهي" ضربان اسمية نحو: "جاء الذي أبوه فاضل" وفعلية نحو: "جاء الذي قام أبوه". وأما شبه الجملة "فهو" الظرف نحو: الذي عندك، والجار والمجرور نحو: "الذي في الدار". وإنما كانت الظروف "والجار والمجرور" شبه الجملة؛ لأنهما يجب "هنا" تعلقهما بفعل مقدر مسند إلى ضمير الموصول، والتقدير: الذي استقر عندك أو في الدار. وقد مثل شبه الجملة بقوله: "من عندي" فمن موصولة وعندي "صلتها". ومثل الجملة بقوله: "الذي ابنه كُفِل", فالذي موصول "وابنه كفل" جملة اسمية هي الصلة. تنبيه: شرط الجملة الموصول بها أن تكون خبرية خلافا للكسائي في جواز الأمر والنهي: وأجاز المازني أن تكون دعاء الخبر نحو: "جاء الذي رحمه "الله"". ويلزم الكسائي موافقته. فإن قلت: من أين يعلم هذا الشرط من كلامه؟ قلت من مثاله "فإنه إنما" مثل ليقاس عليه، والمشهور اشتراطه كون الجملة الموصول بها معهودة. قال المصنف وليس ذلك بلازم؛ لأن الموصول قد يراد به الجنس فتوافقه صلته، كقوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} , وقد يقصد تعظيم الموصول فتبهم صلته كقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} وشرط أكثرهم ألا تكون تعجبية فلا يجوز "مررت بالذي ما أحسنه" إن كانت عندهم خبرية. ومن النحاة من أجاز ذلك وهو مذهب ابن خروف كما أجاز النعت بها. وزاد المغاربة في "شروط" الصلة، ألا تستدعي كلاما قبلها، فلا يجوز "جاء الذي حتى أبوه قائم". ثم ذكر صلة أل فقال: وصفة صريحة صلة أل... وكونها بمعرب الأفعال قل المراد بالصفة هنا اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، خلافا لمن منع وصلها بالصفة المشبهة. والمراد بالصريحة الخالصة الوصفية احترازا مما "يوصف" به وليس بمشتق نحو: "أسد" ومن الصفة التي تغلب عليها الاسمية نحو: "أبطح وأجرع وصاحب" فأل في ذلك حرف تعريف لا موصولة. وقوله: وكونها بمعرب الأفعال قل يعني: "أن "أل" قد وردت موصولة بمعرب الأفعال وهو المضارع لكونه مشابه لاسم الفاعل وذلك قليل. ومنه قول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته وقد سمع منه أبيات. ومذهب الناظم جوازه اختيارا وفاقا لبعض الكوفيين وخصه الجمهور بالضرورة. تنبيه: شذ وصل "أل" بمبتدأ وخبر في قول الشاعر: من القوم الرسول الله منهم... لهم دانت رقاب بني معد وبظرف في قوله: من لا يزال شاكرا على المعه... فهو حر بعيشة ذات سعه، أي: الذي معه، ولا يقاس على هذين باتفاق، وقد قيل: "أل" في البيت الأول زائدة وفي الثاني بقية الذي. ثم قال: أي كما وأعربت ما لم تضف... وصدر وصلها ضمير انحذف قوله: "أي "كما"" يعني أنها تستعمل موصولة بمعنى "الذي والتي"، وفروعها خلافا لأحمد بن يحيى في قوله: إنها لا تستعمل إلا "شرطا" أو استفهاما، وقد تؤنث بالتاء إذا أريد بها المؤنث. وقال أبو موسى: وإذا أريد بها المؤنث ألحقت التاء في الأشهر. وحكى ابن كيسان أن أهل هذه اللغة "يثنونها" ويجمعونها. وقوله: "وأعربت" يعني: دون إخوتها، "فلذلك" أفردها بالذكر وقد تقدم سبب إعرابها مع أن فيها ما في أخواتها من شبه الحرف في أول الكتاب. وقوله: ما لم تضف، وصدر وصلها ضمير انحذف. يعني أنها أعربت ما لم يجتمع فيها هذان الأمران: الإضافة وحذف الصدر "فإن فقدا أو أحدهما أعربت"، فالصور أربع: الأولى: ألا تضاف ويثبت الصدر نحو: "جاءني أي هو فاضل" فتعرب، "لفقد الأمرين". الثانية: ألا تضاف ويحذف الصدر نحو: "جاءني أي فاضل" فتعرب لفقد الأول وهو الإضافة. الثالثة: "أن تضاف" ويثبت الصدر نحو: "جاءني أيهم هو فاضل" فتعرب أيضا لفقد الثاني وهو حذف الصدر. الرابعة: أن تضاف ويحذف الصدر: كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}. فهذه تبنى لاجتماع الأمرين هذا مذهب سيبويه. خلافا للخليل ويونس فإنهما لا يريان البناء, بل هي معربة "عندهما" في الأحوال كلها "وتأولا" الآية. أما الخليل فجعلها استفهامية محكية بقول مقدر، والتقدير: ثم لننزعن من كل شيعة "الذي" يقال فيه أيهم أشد. وأما يونس فجعلها استفهامية أيضا وحكم بتعليق الفعل "قبلها"؛ لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب، والحجة عليها قول الشاعر: إذا ما لقيت بني مالك... فسلم على أيهم أفضل "لأن حروف الجر لا تعلق، ولا يضمر "قول" بينها وبين معمولها". وبهذا يبطل قول من زعم أن شرط بنائها ألا تكون مجرورة، بل مرفوعة أو منصوبة، ذكر هذا الشرط ابن إباز، وقال نص عليه النقيب في الأمالي. وفي الآية أقوال أخر: قال الأخفش "من" زائدة"، و"كل" مفعول، و"أيهم أشد" جملة مستأنفة. وذهب الكوفيون إلى أن "أيهم" علق عنه "شيعة" بما فيه من معنى الفعل، كأنه "قيل" لننزعن من كل "متشيع "في"" أيهم أشد، أي: من كل من نظر في أيهم، وكأنهم رأوا أن لننزعن لا تعلق فعدلوا إلى هذا، وقال ابن الطراوة: غلطوا، ولم تبن إلا لقطعها عن الإضافة. وهم مبتدأ، وأشد خبره، وليس بشيء؛ لأنها لا تعرب إلا إذا أضيفت؛ ولأن أيا أتت في رسم المصحف موصولة بالضمير ولو كان مبتدأ لفصل. ثم قال: "وبعضهم أعرب مطلقا" أي: وبعض العرب أعرب أيا مطلقا يعني في الصور الأربع وقرئ شاذا: "أيهم أشدَّ" بالنصب على هذه اللغة. ويحتمل أن يريد بقوله: "وبعضهم" بعض النحويين فيكون "إشارة" إلى مذهب الخليل ويونس ومن وافقهما. وقوله: ............................. وفى... ذا الحذف أيا غير أي يقتفى أن يستطل وصل........................................ يعني: أن غير "أي" من الموصولات يقتفى "أيا" أي: يتبعها في جواز "هذا" الحذف: يعني حذف العائد إذا كان مبتدأ, لكن بشرط: وهو: أن يكون في الصلة طول "كقولهم": "ما أنا بالذي قائل لك سوءا". أي: هو قائل ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} أي: هو في السماء إله وفي الأرض إله. ثم قال: ......... وإن لم يستطل... فالحذف نزر.............. يعني: أن الصلة إذا لم يكن فيها طول كان حذف العائد الذي هو المبتدأ نزرا، أي قليلا ضعيفا وليس بممتنع، ومنه قراءة بعض السلف: "تماما على الذي أحسنُ" "أي: هو أحسن" وقراءة بعضهم: "مثلا مَّا بعُوضةٌ" "أي: هو بعوضة". ومذهب البصريين: أن ذلك لا يقاس عليه، ولم يشترط الكوفيون طول الصلة بل أجازوا الحذف مطلقا، واتفقوا على عدم اشتراطه "في أي"،. ثم قال: .......... وأبوا أن يختزل إن صلح الباقي لوصل مكمل يعني: أنه يشترط في حذف العائد إذا كان مبتدأ أن يكون "ما يبقى" بعد حذفه غير صالح، لأن يكون صلة كاملة. وهذا الشرط معتبر في "أي" وفي غيرها وضابط ذلك: أن خبره إن كان مفردا جاز حذفه نحو: "أيهم فاضل" هو فاضل؛ لأن المفرد "لا يصلح" لأن يكون صلة كاملة بل جزء صلة فيعلم أن أحد الجزءين محذوف، وإن كان الخبر جملة أو ظرفا أو جارا ومجرورا لم يجز حذفه؛ لأنه لو حذف والحالة هذه لم يبق عليه دليل؛ لأن الجملة الظرف والجار والمجرور يصلح لأن يكون صلة كاملة. فإذا قلت: "جاء الذي هو يفعل، أو هو عندك، أو هي في الدار" لم يجز حذفه لما ذكر. وقد اتضح بما ذكر أن العائد "إذا" كان مرفوعا، فإما أن يكون مبتدأ أو غير مبتدأ. فإن كان غير مبتدأ لم يجز حذفه وذلك مفهوم من سكوته عنه. وإن كان مبتدأ جاز حذفه من صلة "أي" بشرط واحد: وهو أن يكون خبره مفردا، وفي صلة غيره بشرطين: عند البصريين أن يكون الخبر مفردا وأن تطول الصلة. تنبيه: ذكر غير الناظم لحذف العائد الذي هو مبتدأ شروطا أخر: أحدها: ألا يكون معطوفا نحو: "جاء الذي زيد وهو فاضلان". والثاني: ألا يكون معطوفا عليه، نحو "جاء الذي هو وزيد قائمان". وأجاز الفراء حذفه في هذا المثال ونحوه، وأجازه أيضا ابن السراج. قال بعضهم: وهو غير مسموح ونقل اشتراطه هذا الشرط عن البصريين. والثالث: ألا يكون بعد "لولا"، نحو "جاء الذي لولا هو لأكرمتك", ثم انتقل إلى العائد المنصوب فقال: ........................................ والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب... بفعل أو وصف كمن نرجو يهب اعلم أن العائد المنصوب، إما أن يكون متصلا أو منفصلا. فإن كان منفصلا لم يجز حذفه لئلا تفوت فائدة الانفصال، نحو: "جاء الذي إياه أكرمت" ولذلك قال "في عائد متصل". وإن كان متصلا، فإما أن يتصل بفعل أو بوصف أو بحرف، فإن اتصل بفعل أو بوصف جاز حذفه، وقد مثل المتصل بالفعل بقوله: "كمن نرجو يهب" أي "من" نرجوه. ومنه قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} أي بعثه. ومثال المتصف بالوصف قول الشاعر: ما الله موليك فضل فاحمدنه به... فما لدى غيره نفع ولا ضرر أي: الذي الله موليكه فضل. وإن كان منتصبا بحرف لم يجز حذفه، نحو "جاء الذي إنه فاضل أو كأنه أسد". وهذا مفهوم من اقتصاره على الفعل والوصف. تنبيهات: الأول: حذف العائد المنصوب بفعل أكثر من حذف العائد المنصوب بوصف وإن اشتركا في الجواز. الثاني: لا يخلو المنصوب بالوصف من أن يكون في صلة "أل" أو في صلة غيرها فإن كان في صلة غيره جاز حذفه كما تقدم، وإن كان في صلتها فمذهب الجمهور أنه لا يجوز، وأجازه بعضهم نحو "الضارب زيد هند" يريد الضاربها. واختلف فيه عن الكسائي. وقال في التسهيل: وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام ومثال ذلك قول الشاعر: ما المستفز الهوى محمود عاقبة... ولو أتيح له صفو بلا كدر وقول الآخر: في المعقب البغي أهل البغي ما... ينهي امرأ حازما أن يسأما أي: في الذي أعقبه البغي على خلاف في هذا الضمير أمنصوب "هو" أم مجرور. وعلى كل حال فحذفه نادر. ومقتضى عبارة الناظم أن حذف المنصوب بالوصف كثير "مطلقا" وليس كذلك. الثالث: شرط ابن عصفور في جواز حذف المنصوب أن يكون متعينا للربط فإن لم يتعين لم يجز حذفه نحو "جاء الذي ضربته في داره". وشرط قوم أن يكون الفعل الناصب له تاما، فلو كان ناقصا لم يجز حذفه نحو "جاء الذي ليسه زيد". الرابع: إذا حذف العائد المنصوب بشرطه ففي توكيده والنسق عليه خلاف أجازه الأخفش والكسائي ومنعه ابن السراج وأكثر المغاربة واختلف عن الفراء. الخامس: اتفقوا على مجيء الحال منه إذا كانت مؤخرة "عنه" نحو: "هذه التي عانقت مجردة" "أي عانقتها مجردة". فإن كانت الحال متقدمة نحو: "هذه التي مجردة عانقت" فأجازها ثعلب ومنعها هشام. ثم انتقل إلى المجرور فقال: كذاك حذف ما بوصف خفضا... كأنت قاض بعد أمر من قضا العائد المجرور إما أن ينجر بإضافة أو بحرف، فإن انجر بإضافة والمضاف وصف عامل جاز حذفه، كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي: "الذي" أنت قاضيه, وإلى هذه الآية أشار بقوله: "كأنت قاض بعد أمر -أي بعد فعل الأمر- من قضا". وهو في قوله تعالى: {فَاقْضِ} وليس حذفه بضعيف جدا خلافا لابن عصفور، بل فصيح لوروده في القرآن؛ ولأنه منصوب في "المعنى". على أن النحويين من زعم أنه منصوب. وإن كان المضاف غير وصف نحو: "جاء الذي وجهه حسن". أو وصفا غير عامل نحو: "جاء الذي أنا ضاربه أمس" لم يجز حذفه, فإن قلت: أطلق الناظم الوصف ولم يقيده بالعامل. قلت: "كأنه" اكتفى بالمثال عن التقييد؛ لأنه قد فهم من استقراء هذا النظم أنه قد "يتمم" الحكم بالتمثيل. وأما المجرور بحرف فقد ذكره في قوله: كذا الذي جر بما الموصول جر... كمر بالذي مررت فهو بر يعني: أنه يجوز حذف العائد المجرور بالحرف بشروط: الأول: أن ينجر الموصول بمثل الحرف "الجار" للعائد لفظا، فلو اختلفا لفظا لم يجز الحذف نحو "حللت في الذي حللت به". الثاني: أن يتحد الحرفان معنى، فلو اختلفا "معنى" لم يجز الحذف نحو: مررت بالذي مررت به، "تعني" بإحدى الباءين السببية. الثالث: أن يتحد متعلقهما معنى، فلو اختلف المتعلق لم يجز الحذف، نحو "سررت بالذي مررت به". وقد مثل ما يجوز حذفه لاجتماع الشروط فيه بقوله: "مر بالذي مررت" أي به. فحذف العائد؛ لأنه قد جر بحرف جر الموصول بمثله لفظا ومعنى ومتعلقا. ولو جر الموصوف بالموصول بالجر المماثل فيما ذكر جاز الحذف أيضا وإن كان الموصول "لم يجر" نحو: "مررت بالرجل الذي مررت به". فإن قلت: لا يؤخذ من كلامه إلا شرط واحد, وهو اتفاق لفظ الحرفين. قلت: أما أخذ الشرط الثاني من كلامه فظاهر، فإنه شرط أن يجر العائد بالذي جر الموصول ومتى اختلف الحرفان "معنى" كان الجار للعائد حينئذ غير الجار للموصول، فإن "باء" السببية مثلا غير "باء" التعدية. وأما أخذ الشرط الثالث فمن تمثيله. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: بما جر الموصول أو الموصوف به, ليشمل الصورتين. قلت: الموصوف والصفة كالشيء الواحد، فدخول الحرف على الموصوف كدخوله على الصفة، فلذلك ترك هنا التنصيص على ذلك اختصارا. تنبيه: يشترط في حذف العائد المجرور بالحرف ثلاثة شروط أخر, ذكرها غير الناظم: الأول: ألا يكون ثم ضمير آخر يصلح للعود، نحو: مرت بالذي به في داره. الثاني: ألا يكون نائبا عن الفاعل نحو: مررت بالذي مر به. الثالث: ألا يكون محصورا نحو: مررت بالذي ما مررت به إلا به. فإن قلت: "قد" أخل الناظم بهذه الشروط. قلت: إنما يلزمه أن يذكر هنا من الشروط ما هو خاص بالباب لا ما يؤخذ من غيره, وقد علم "بذلك" أن ما كان حذفه يوقع في اللبس امتنع حذفه في هذا الباب وفي غيره، وأن النائب عن الفاعل كالفاعل في جميع أحكامه، ومنها امتناع حذفه، وأن الفضلة إذا حصرت لم يجز حذفها وقد جاء حذف العائد المجرور وإن لم تكمل شروط الحذف, كقول حاتم: ومن حسد يجور على قومي... وأي الدهر ذو لم يحسدوني أي: فيه، وهو نادر.
|